رسالة ثانية من العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري إلى الأستاذ الشيخ مصطفى الزرقا رحمهما الله تعالى
سماحة الأستاذ الأجل والنحرير المبجّل السيد مصطفى الزرقاء حفظه الله .
وعلى سماحتكم سلام الله ورحمته وبركاته وبعد؛ فإن سروري عظيم بوصول كتابكم الكريم حيث أفادني مضيَّكم على خطَّتكم المبتكرة في عرض الفقه الإسلامي لأبناء اليوم بحيث يجتذبهم إلى هذا المعين الفيّاض .
واللهُ الذي ألهمكم هذا المنهج البديع يتولَّى تسديدكم وتوفيقكم بإتمام هذه المهمة على أكمل وجه.
أما وصفكم لهذا العاجز فترديدٌ لبعض مزاياكم العليَّة، وقد رأيتموها في المرآة منعكسة فيها، وآثاركم البديعة أستفيد منها كل الاستفادة وأتتلمذ عليها، وليس طلب سماحتكم إبداء ملاحظات فيها إلَّا من باب تواضعكم، وفقكم الله سبحانه لإخراج آثاركم العظيمة النفع على ما يرضي الله ورسوله وأهل العلم جميعا.
وسؤال عبد الوارث بن سعيد بالحجاز أبا حنيفة وابن شبرمة وابن أبي ليلى عمن باع وشرط واختلافهم في الجواب بإبطال البيع والشرط معًا وتصحيحهما معًا وتصحيح البيع وإبطال الشرط بأحاديث رووها ممَّا ذكر في نصب الراية (4-18) والمحلى(8-415) ومعرفة علوم الحديث للحاكم(128)، ومعالم السنن للخطابي، والمعجم الأوسط للطبراني كما في مجمع الزوائد.
وتمسك ابن شبرمة بما فهمه من حديث جابر في اشتراط ظهر البعير الذي باعه إلى المدينة مدركٌ لا غبار عليه، وقد شاركه في هذا الفهم ابن أبي شيبة وإن ناقشته في النكت(235) (1)
واختلاف المجتهدين رحمة حقًّا ولا سيما فيما أبدوا وجه كلامهم عن أدلة ناهضة .
امَّا ترجمة ابن شبرمة فلا أعلم أوسع مما ذكره المزي في تهذيب الكمال وابن حجر في تهذيب التهذيب .
وأخبار القضاة لمحمد بن خلف المعروف بوكيع القاضي ممَّا يظن احتواؤه على نبذ من أقضيته، لكن المستعير من مكتبة الجامعة لا يعير قبل تمام طبع الكتاب فلا يمكنني نقل ما فيه، والطحاوي كثير الاهتمام بنقل مسائل ابن شبرمة في كتابه اختلاف العلماء، لكن الموجود في دار الكتب المصرية قطعة من مختصرة للجصاص، وكتاب ابن المنذر ليس بين أيدينا، وقد توسَّع الطحاوي في معاني الآثار في الكلام في ذات المسألة .
ورجائي أن تبلغ تحياتي الخالصة لسعادة الأستاذ السيد نهاد بك المحترم(2) .
وقد وجهتم الأخ عبد الفتاح قوام الدين (3)توجيهًا سديدًا فهو غرس يدكم، ولكم أن تفخروا به، وله مستقبل مبارك إن شاء الله تعالى إلا أنه جبيلي (4)قد يصحفه مثلي إلى حنبلي زاده الله إخلاصًا في العلم وبارك له في شؤونه كلها ووفقه لكل خير .
وعنواني تغير وقد انتقلت إلى (104 بشارع العباسية).
ادامكم الله عز وجل ذخرا للعلم في صحة كاملة وسعادة شاملة أيها الأخ الأعز الأمجد .
في غرة ذي القعدة 1368
المخلص
محمد زاهد الكوثري
بشارع العباسية رقم 104
بالقاهرة .
(1) النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة، ص (694) ، بتحقيق الأخ الدكتور حمزة البكري، والمذكور في النص (235) هو رقم الصفحة من الطبعة الأولى الصادرة في حياة الشيخ رحمه الله.
(2)نهاد بك القاسم (1905- 1970 م) حقوقي سياسي ووزير سوري، من كبار رجال الدولة في سورية. تسلَّم وِزارة العدل ثلاث مرَّات، أولاها في عهد الرئيس هاشم الأتاسي، والثانية في عهد الوحدة مع مصر، والثالثة في مطلع عهد حزب البعث. وللأستاذ الزرقا ترجمة له سأنشرها قريبًا، وله أيضًا رثاء نشره في ديوانه ” قوس قزح”
(3) هو الأستاذ العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة تلميذ العلاميتن الكوثري والزرقا.
(4) نسبة إلى حي الجبيلة من أحياء حلب الشهيرة ، وفيه ولد الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى.
اترك تعليقاً